هروب "فيتو"- الإكوادور في قبضة الجريمة المنظمة والعصابات

المؤلف: عبير الفقيه11.22.2025
هروب "فيتو"- الإكوادور في قبضة الجريمة المنظمة والعصابات

في مساء يوم الأحد المنصرم، اهتزت دولة الإكوادور على وقع نبأ مدوٍّ، ألا وهو اختفاء أخطر سجين في البلاد من سجن ليتورال الواقع في مدينة غواياكيل الساحلية. وفي وقت لاحق، أقرت السلطات بأن رئيس عصابة "لوس تشونيروس"، المدعو "فيتو"، قد فرّ بالفعل من محبسه.

على الرغم من أن شهرة "فيتو" في عالم الجريمة كانت محصورة في دول أمريكا اللاتينية، إلا أن شهرته العالمية قد بلغت أوجها في شهر أغسطس الماضي، عندما غزت صورته وسائل الإعلام الدولية، وهو عاري الصدر ومقيد بالأصفاد بين حشود من رجال الأمن، وذلك أثناء نقله من سجن إلى آخر ذي حراسة مشددة، على خلفية الاشتباه بتورطه في تصفية المرشح الرئاسي فيافسنسيو في العاصمة كيتو.

وفي حين حرصت السلطات الإكوادورية آنذاك على الترويج لتلك الصورة المهينة لـ "فيتو"، فإنها اليوم تقف عاجزة عن احتواء فضيحة هروبه المدوي.

تجدر الإشارة إلى أن الإكوادور كانت قبل عام 2017 تُعرف بكونها واحة سلام في منطقة أمريكا الجنوبية، وذلك بفضل انخفاض معدل الجريمة فيها، خاصة وأنها لم تكن في يوم من الأيام من الدول المنتجة للمخدرات، وعلى وجه الخصوص الكوكايين. بيد أن الأوضاع قد انقلبت رأسًا على عقب بشكل سريع ومفاجئ في السنوات الأخيرة، وأصبحت أسماء عصاباتها وزعمائها متداولة على نطاق واسع في عالم الجريمة المنظمة وتجارة المخدرات، وذلك من خلال القصص المثيرة التي تنتشر عنهم خارج القارة.

وعلى غرار بطولات إمبراطور المخدرات بابلو إسكوبار في كولومبيا، أو "إل تشابو" في المكسيك، ها هو اليوم "فيتو" الإكوادوري، يسطر قصة اختفائه أو هروبه من السجن، وربما من البلاد بأكملها، تاركًا الجميع في حيرة من أمرهم.

قبل الهروب

قبل الخوض في تفاصيل هروب "فيتو"، يجدر التنويه إلى أن المشاهد السينمائية التي نشرتها وزارة الداخلية الإكوادورية الصيف الماضي، والتي تضمنت نقله إلى سجن شديد الحراسة بهدف التحقيق معه في صحة إصداره أوامر بتصفية المرشح فيافسنسيو، لم تدم سوى بضعة أيام معدودة، حيث رضخت الحكومة السابقة لأوامر "فيتو" بإعادته إلى السجن الذي يقيم فيه، بين جنوده من عصابة "لوس تشونيروس" التي تعمل بالتنسيق مع عصابة "سينالوا" المكسيكية ذات الشهرة الواسعة.

ويتفهم الإكوادوريون خضوع الحكومة لأوامر "فيتو"، خاصة فيما يتعلق بالحفاظ على مقر إقامته في سجن ليتورال. فالرجل الذي يُعدّ الأخطر في الإكوادور، يقوم بتسجيل مقاطع فيديو من داخل "جناحه" في السجن ونشرها على شبكات التواصل الاجتماعي، ويتمتع بخدمات الإنترنت، ويمتلك هواتفه المحمولة، ويتواصل مع العالم الخارجي، حتى في طلب وجبات "ديلفري"، ولا يجرؤ أحد على الوقوف في وجهه، ولكنه - ظاهريًا - مسجون.

أما عن غرفته التي وثقتها كاميراته وكاميرات صحفي استقصائي في العام قبل الماضي، فهي تتضمن تلفزيونًا وثلاجة وحاسوبًا محمولًا وستائر وحوض سباحة وجميع مستلزمات الراحة، بالإضافة إلى امتلاكه مزارع لتربية الأسماك والخنازير في المساحة الخارجية للسجن، وذلك لتغذية عناصر عصابته.

علاوة على ذلك، فإن "فيتو" لا يرتدي زيّ السجناء، ولا يلتزم بمواعيد الزيارة، خاصة في حال زيارة زوجته، التي أقامت معه خمسة أيام في عام 2021 في "جناحه". وعلى صعيد آخر، تتزين جدران سجن "ليتورال" من الداخل بصور "فيتو" المرسومة بعناية فائقة.

وفي شهر أكتوبر من عام 2022، سجلت كاميرات سكان محيط السجن مقاطع فيديو لألعاب نارية وموسيقى "دي جي" صاخبة في ساحة السجن، وتبين لاحقًا أنها أقيمت بمناسبة عيد ميلاد "فيتو".

وكشفت مقاطع "تيك توك" التي نشرها السجناء الحاضرون عن أجواء احتفالية صاخبة، توفرت فيها المشروبات الروحية والراقصات، اللاتي تم جلبهن من الخارج. والغريب في الأمر أن وسائل الإعلام تناقلت في ذلك الوقت الخبر بالصوت والصورة، دون توجيه اتهام جدي للحكومة أو إدارة السجن بتحمل مسؤوليتهما عن تلك التجاوزات، وكأن الجميع مُسلّم بأن أوامر "فيتو" نافذة على الجميع، حكومة وشعبًا.

أما الحدث الذي فاق الاحتفال بعيد الميلاد، فتمثل في تصوير "فيديو كليب" من قبل أنصار "فيتو" من داخل السجن، حيث جلبوا له موسيقيين وفريق تصوير، وذلك لتهنئته بالعودة إلى مقره. وتتغنى كلمات الأغنية بشهامته وطيبته والنظرة الخاطئة التي يتناقلها البعض عنه. وتبدأ لقطات الفيديو بصورة له وهو ممسك بكتاب، ثم يظهر وهو يحتضن بعض أنصاره. وتمثل الأغنية لونًا موسيقيًا مكسيكيًا، غالبًا ما يتم إهداؤه لزعماء العصابات. وعلى الرغم من كل ذلك، لم تجرؤ الحكومة على اتخاذ خطوة حازمة ضده!

موقف حرج للحكومة

على الرغم من كل هذا النفوذ الطاغي الذي يحظى به "فيتو" وبعض رؤساء العصابات الآخرين في السجون وخارجها، فإن الحكومة تتعامل مع هذه الحقيقة المرة بهامش سلطة ضئيل، تحاول من خلاله إيهام الشعب بأنها ممسكة بزمام الأمور ظاهريًا، وذلك من خلال اتفاقيات تعقدها مع المجرمين.

غير أن إخلال المجرمين بهذه الاتفاقيات بين الحين والآخر، يضع الحكومة في مواقف حرجة للغاية، تفضح ضعفها وعجزها بشكل كامل، ومن ذلك هروب "فيتو" الأخير.

فعند انتشار خبر "اختفاء" فيتو، لم تخرج الحكومة على الفور لتوضيح اللبس الذي تملك الرأي العام، بل خرج ممثلان عن جهاز الأمن والمسؤول الإعلامي بمؤسسة الرئاسة، بعد ساعات طويلة، ليصرّحا بأن "فيتو" غير موجود في السجن، لكنهما لم يؤكدا هروبه بشكل قاطع. وأمام موجة الاستنكار العارمة التي اجتاحت شبكات التواصل الاجتماعي، تم تكذيب التصريح، ثم تمت العودة لتأكيد صحته، ولم يتم تأكيد هروب "فيتو" بشكل رسمي إلا بعد مرور أكثر من 16 ساعة، وسط غياب تام لتصريح أو بيان من رئيس البلاد ووزيرة الداخلية والإدارة المركزية للسجون.

غير أنه وبعد تسرب معلومات مؤكدة من داخل السجن إلى شخصيات سياسية نافذة، تبين أن "فيتو" قد هرب منذ يوم 25 ديسمبر الماضي، وبرفقته 21 سجينًا من أفراد عصابته، والأرجح أنه فرّ عبر بوابة السجن الرئيسية، خاصة وأن السجناء قاموا بتعطيل أغلب كاميرات المراقبة.

ورغم ذلك، لم تكشف السلطات حتى الآن عن أسماء المتورطين الذين سهلوا عملية هروبه. واكتفى الرئيس بالإعلان عن فرض حالة الطوارئ لمدة شهرين في البلاد، بما في ذلك السجون، لكن العصابات أعلنت حالة التمرد، وأدخلت البلاد في دوامة من العنف والتفجيرات العشوائية.

ليست هذه المرة الأولى التي يهرب فيها "فيتو" المحكوم عليه بالسجن لمدة 34 عامًا، بل سبق له أن هرب في عام 2013، وتمكنت الشرطة من إلقاء القبض عليه بعد شهرين. ولكن، المؤهلات المتواضعة للحكومة المنتخبة حديثًا، لا تبشر بأي نجاح على مستوى اتباع خطة أمنية واضحة لمكافحة تفشي ظاهرة انتشار الجريمة في البلاد، وتعاظم نفوذ عصابات الجريمة المنظمة والمخدرات.

ويضاف إلى ذلك، التطور الهائل الذي شهدته الإكوادور في انتشار الجريمة وتجارة المخدرات، الأمر الذي أدى بالضرورة إلى ارتفاع معدل جرائم القتل العمد، وجعلها تحتل المرتبة الأولى في بلدان أمريكا الجنوبية في عام 2023، حيث بلغت 44 ضحية لكل 100000 نسمة، بعد أن كانت 5.8 فقط في عام 2017. ويعتبر معدل جرائم القتل العمد معيارًا أساسيًا لقياس غياب دور الدولة، وتفاقم هيمنة قانون العصابات على المجتمعات.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة